الأربعاء، 06 مارس 2019 11:26 ص
قبل سنوات، تمكن الباحث المصري، الدكتور ماهر القاضي، من اكتشاف طريقة لصنع "المكثفات الفائقة" وهي بطاريات يمكن شحنها في ثوان لتساعد الكثير من الأجهزة اللوحية والطبية والسيارات، وتستمر في العمل لفترات طويلة دون انقطاع.
القاضي من مواليد قرية ناهيا بمحافظة الجيزة، لأب بسيط يمتهن الزراعة، كان يحفزه بطريقته حتى يكمل تعليمه، فيقول له: "انظر ليديك، لا يصلح للعمل في الأرض"، جذبه مدرس العلوم في الإعدادية بطريقة شرحه السهلة، وتلك كانت البداية، حيث شق طريقه وأحب في مادة الكيمياء في الثانوية، وحصل على مجموع أهله لدخول كلية العلوم بجامعة القاهرة، وفي الكلية "اكتشفت أن ما تعلمته فيها لن أتعلمه في مكان آخر"، وكان الأول على قسم الكلية بالكلية.
📷
تم تعيينه معيدًا، وتعلم على يد أستاذه الدكتور أحمد جلال، الحاصل على الدكتوراه من جامعة بولاية "أوهايو" الأمريكية، وكان مهتمًا بعلم "النانو"، وعلوم المجسات الكهربائية والكيمائية، وكان لذلك أثره عليه، حيث نال بحثه الذي نال عنه درجة "الماجستير" على جائزة أفضل رسالة على مستوى أقسام الكلية المختلفة.
ومن ثم، بدأ رحلة البحث عن منحة دراسية بالخارج، وحصل على منحة بجامعة "كاليفورنيا" التي تعتبر من أكبر المؤسسات العلمية بالولايات المتحدة، وفي عام 2013، برز اسم القاضي في وسائل الإعلام، بعد بحثه عن "المكثفات الفائقة"، والذي تم نشره بمجلة "ساينس" الأمريكية، ومثل حجر زاوية لباحثين آخرين في المجال ذاته، وحصل على المرتبة الـ 14 على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة.
وتعتمد فكرة البحث على تصنيع بطارية يمكنها شحنها في ثوان، من خلال ابتكار طريقة عملية لاستخلاص مادة "الجرافين"، يقوم من خلالها عوضًا عن تخزين الكهرباء في بطاريات الليثيوم- أيون Lithium-ion إلى تخزينها في المكثفات الفائقة، فعلى خلاف البطاريات المعتادة التي تخزن الكهرباء بطريقة كيميائية، تعمل المكثفات الفائقة على تخزينها في صورة كهرباء ساكنة، ما يجعلها أكثر أمانًا، ويؤكد أن "عملية الشحن في المكثفات الفائقة تستغرق ثوانيَ معدودة، ما يحول دون ارتفاع درجة حرارتها، ويجعل احتمالية انفجارها ضعيفة للغاية".
📷
وإلى الآن، تستخدم شركات تصنيع الهواتف المحمولة بطاريات "الليثيوم- أيون"، التي تخزن الطاقة من خلال التفاعلات الكيميائية، غير أنها لم تعد تفي بالغرض المخصص لها، بعدما أصبحت معالجات الأجهزة المحمولة سريعة للغاية، وتحتاج إلى بطاريات أكثر قوة، قابلة للشحن بسرعة والتفريغ ببطء. لذا، يحاول العلماء صناعة أنواع جديدة من البطاريات تعتمد على تخزين الطاقة في المكثفات.
والاختراع الذي توصل إليه القاضي، سيؤدي إلى استخدام البطارية لفترات طويلة، بحيث يمكن شحن الهاتف، أو بطارة سيارة في ثوان معدودة، ويمكن تخزين الطاقة فيها لفترات طويلة، وهي متعددة الاستخدام، فإلى جانب الهاتف، يمكن استخدامها في الأجهزة اللوحية، فهي مفيدة لأنواع من الأجهزة مثل الأجهزة الطبية، والسيارات الكهربائية، والكاميرات، والمعدات الكهربائية (المنشار والحفار وغيره)، وأيضًا لتخزين الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبعض الأجهزة الكهربائية، مثل أجهزة الرؤية الليلية، وأجهزة الرصد "الردارات"، وبعض الأجهزة المستخدمة في الفضاء.
ويعد ابتكار القاضي بمثابة نقلة كبيرة لصناعة البطاريات والمكثفات الخارقة، وهو المجال الذي لم يتطور بشكل كبير مقارنة بتطور صناعة الحواسب والإلكترونيات، رغم الدور الكبير الذي تلعبه البطاريات في تلك الصناعات، لذا يؤكد العالم المصري أن ظهور البطاريات والمكثفات المصنوعة من مادة "الجرافين" سيحدث نقلة كبيرة في تلك الصناعات وتطبيقاتها.
ويعد "الجرافين" أحد المركبات التي يتم استخلاصها بفصل صفائح "الجرافيت"، وهو مادة مرنة وعالية الكثافة تتألف من شبكة من ذرات الكربون ثنائية الأبعاد، ومن أبرز مزايا هذه المادة السرعة غير الاعتيادية للإلكترونات التي تسير خلالها.
📷
وأوضح القاضي، أنه أثناء تطوير طريقة لاستخلاص "الجرافين" بطريقة عملية من "الجرافيت" اكتشف عددًا من خواص تلك المادة التي يمكن استخدامها في صنع مكثفات وبطاريات خارقة.
وأضاف أن المكثفات الخارقة التي يتم صنعها من مادة "الجرافين" قادرة على تخزين الطاقة بصورة مضاعفة عن المكثفات الخارقة الحالية.
وأشار إلى أن المكثفات الخارقة يتم استخدامها بصورة كبيرة عالميًا لتخزين الطاقة، حيث يتم استخدامها لحفظ الطاقة المولدة من الألواح الشمسية، كما تستخدمها دول مثل هولندا والصين في تطبيقات عملية.
وتقوم هولندا باستخدام المكثفات الخارقة مع الأبواب الدوارة، حيث يتم وضع الأبواب الدوارة في محطات القطارات لتقوم بتوليد طاقة مع كل عملية استخدام لها ويتم تزويدها بالمكثفات الخارقة لحفظ الطاقة المولدة لحين استخدامها، وفي المقابل ظهرت في الصين عربات للنقل العام يتم شحنها كهربياً ويتم حفظ الطاقة عبر المكثفات الخارقة لحين شحنها مجدداً.
ويمكن - وفق اختراع القاضي - استخدام "الجرافين" في صنع بطاريات مناسبة للعمل مع الهواتف والحواسب اللوحية والمحمولة، موضحاً أنه في حال طرح تلك البطاريات سيستغرق شحنها عدة ثوان، بمتوسط 30 ثانية، وقد تصمد عملية الشحن الواحدة لعدة أيام في الحواسب المحمولة ولأسابيع في الهواتف والحواسب اللوحية.
وأجرى القاضي أول تجربة ناجحة للدلالة على إمكانية استخدام "الجرافين" في صنع البطاريات والمكثفات الخارقة، بشحن قطعة من المادة لمدة ثلاث ثوان واستخدامها لإضاءة مصباح كهربائي صغير، واستمر المصباح في الإضاءة لمدة خمس دقائق.
ومن المقرر أن يتم تصنيع أول منتج تجاري قائم على اكتشافه، بعد الاتفاق مع شركة "ماكسويل تكنولوجيز" على القيام بذلك، بعد أن وصلته عدة عروض فضل من بينها عرض الشركة الأمريكية، ومن المنتظر أن تكون صناعة بطاريات الهواتف والحواسب هي المرحلة الثانية من مراحل الإنتاج التجاري للمنتجات القائمة على الاكتشاف.
Comentarios